فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأُثور:

قال السيوطي:
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)}.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن عباس قال: لما بعث الله محمدًا رسولًا أنكرت العرب ذلك، ومن أنكر منهم قالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرًا مثل محمد. فأنزل الله: {أكان للناس عجبًا أن أوحينا إلى رجل منهم} [يونس: 2]، وقال: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالًا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} يعني فاسألوا أهل الذكر والكتب الماضية: أبشرا كانت الرسل الذين أتتهم أم ملائكة؟ فإن كانوا ملائكة أتتكم، وإن كانوا بشرًا فلا تنكروا أن يكون رسولًا. ثم قال: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالًا نوحى إليهم من أهل القرى} [يوسف: 109]. أي ليسوا من أهل السماء كما قلتم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالًا} قال: قالت العرب {لولا أنزل علينا الملائكة} [المائدة: 73]. قال الله: ما أرسلت الرسل إلا بشرًا {فاسألوا} يا معشر العرب {أهل الذكر} وهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى، الذين جاءتهم قبلكم {إن كنتم لا تعلمون} أن الرسل الذين كانوا من قبل محمد كانوا بشرًا مثله، فإنهم سيخبرونكم أنهم كانوا بشرًا مثله.
وأخر الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، عن ابن عباس {فاسألوا أهل الذكر} يعني مشركي قريش، أن محمدًا رسول الله في التوراة والإنجيل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {فاسألوا أهل الذكر} قال: نزلت في عبد الله بن سلام ونفر من أهل التوراة، وكانوا أهل كتب يقول: فاسألوهم {إن كنتم لا تعلمون} أن الرجل ليصلي ويصوم ويحج ويعتمر، وأنه لمنافق. قيل: يا رسول الله، بماذا دخل عليه النفاق؟ قال: يطعن على إمامه، وإمامه من قال الله في كتابه: {فاسألوا أهل الذكر أن كنتم لا تعلمون}.
وأخرج ابن مردويه عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينبغي للعالم أن يسكت عن علمه، ولا ينبغي للجاهل أن يسكت على جهله» وقد قال الله: {فاسألوا أهل الذكر أن كنتم لا تعلمون} فينبغي للمؤمن أن يعرف عمله على هدى أم على خلافه.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: {بالبينات} قال: الآيات {والزبر} قال: الكتب.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي عن أصحابه في قوله: {بالبينات والزبر} قال: {البينات} الحلال والحرام الذي كانت تجيء به الأنبياء {والزبر} كتب الأنبياء {وأنزلنا إليك الذكر} قال: هو القرآن.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {لتبين للناس ما نزل إليهم} قال: ما أحل لهم وما حرم عليهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {لتبين للناس ما نزل إليهم} قال: أرسله الله إليهم ليتخذ بذلك الحجة عليهم.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله: {ولعلهم يتفكرون} قال: يطيعون.
وأخرج الحاكم وصححه عن حذيفة قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامًا أخبرنا بما يكون إلى قيام الساعة، عقله منا من عقله ونسيه من نسيه.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر، عن مجاهد في قوله: {أفأمن الذين مكروا السيئات} قال: هو نمرود بن كنعان وقومه.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {أفأمن الذين مكروا السيئات} أي الشرك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله: {أفأمن الذين مكروا السيئات} قال: تكذيبهم الرسل وأعمالهم بالمعاصي.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {أو يأخذهم في تقلبهم} قال: في اختلافهم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {أو يأخذهم في تقلبهم} قال: إن شئت أخذته في سفره، وفي قوله: {أو يأخذهم على تخوف} يقول: إن شئت أخذته على أثر موت صاحبه، وتخوف بذلك.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {أو يأخذهم في تقلبهم} قال: في أسفارهم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن الضحاك في قوله: {أو يأخذهم في تقلبهم} يعني على أي حال كانوا بالليل والنهار {أو يأخذهم على تخوف} يعني أن يأخذ بعضًا بالعذاب ويترك بعضًا، وذلك أنه كان يعذب القرية فيهلكها ويترك الأخرى.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {أو يأخذهم على تخوف} قال: ينقص من أعمالهم.
وأخرج ابن جرير من طريق عطاء الخراساني، عن ابن عباس في قوله: {أو يأخذهم على تخوف} قالوا: ما نرى إلا أنه عند تنقص ما نردده من الآيات، فقال عمر: ما أرى إلا أنه على ما تنتقصون من معاصي الله. فخرج رجل ممن كان عند عمر فلقي أعرابيًا فقال: يا فلان، ما فعل ربك. فقال: قد تخيفته. يعني تنقصته. فرجع إلى عمر فأخبره فقال: قدر الله ذلك.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر، عن مجاهد في قوله: {أو يأخذهم على تخوف} قال: يأخذهم بنقص بعضهم بعضًا.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن زيد في قوله: {أو يأخذهم على تخوف} قال: كان يقال: التخوف، هو التنقص تنقصهم من البلد والأطراف.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيؤُا ظلاله عن اليمين والشمائل سجدًا لله} قال: ظل كل شيء فيه، وظل كل شيء سجوده. {فاليمين} أول النهار {والشمائل} آخر النهار.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن الضحاك في قوله: {أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيؤُا ظلاله} قال: إذا فَاء الْفَيءُ توجه كل شيء ساجدًا لله قِبَلَ القبلة من بيت أو شجر. قال: فكانوا يستحبون الصلاة عند ذلك.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة، عن الضحاك في الآية قال: إذا فاء الفيء، لم يبق شيء من دابة ولا طائر إلا خر لله ساجدًا.
وأخرج عبد بن حميد والترمذي وابن المنذر وأبو الشيخ، عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أربع قبل الظهر بعد الزوال تحسب بمثلين من صلاة السحر». قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وليس من شيء إلا وهو يسبح الله تلك الساعة» ثم قرأ: {يتفيؤا ظلاله عن اليمين والشمائل سجدًا لله} الآية كلها.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعد بن إبراهيم قال: صلوا صلاة الآصال حتى يفيء الفيء قبل النداء بالظهر، من صلاها فكأنما تهجد بالليل.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال: فيء كل شيء ظله، وسجود كل شيء فيه سجود الخيال فيها.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في الآية قال: إذا زالت الشمس سجد كل شيء لله.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في الآية في قوله: {يتفيؤا ظلاله عن اليمين والشمائل} قال: الغدو والآصال، إذا فاء ظل كل شيء. أما الظل بالغداة فعن اليمين، وأما بالعشي فعن الشمائل. إذا كان بالغداة سجدت لله، وإذا كان بالعشي سجدت له.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي غالب الشيباني قال: أمواج البحر صلاته.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: {داخرون} قال: صاغرون.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر، عن قتادة في قوله: {وهم داخرون} قال: صاغرون. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45)}.
قوله تعالى: {السيئات} فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنها نعتٌ لمصدرٍ محذوف، أي: المَكَرات السيئات، ولم يذكر الزمخشريُّ غيرَه. الثاني: أنه مفعولٌ به على تضمين {مَكَروا} عَمِلُوا وفعلوا، وعلى هذين الوجهين فقولُه: {أَن يَخْسِفَ الله} مفعول ب {أَمِنَ}. الثالث: أنه منصوبٌ ب {أَمِنَ}، أي: أَمِنُوا العقوباتِ السيئات، وعلى هذا فقوله: {أَن يَخْسِفَ الله} بدلٌ من {السيئات}.
{أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47)}.
قوله تعالى: {على تَخَوُّفٍ} متعلقٌ بمحذوفٍ، فإنه حالٌ إمَّا مِنْ فاعلِ {يأخذهم}، وإمَّا مِنْ مفعوله، ذكرهما أبو البقاء، والظَاهِرُ كونُه حالًا من المفعولِ دونَ الفاعل.
والتخوُّفُ: التنقُّص. حكى الزمخشري أن عمر بن الخطاب سألهم على المِنْبر عنها فسكتوا، فقام شيخ من هذيل فقال: هذه لغتنا: التخوُّفُ: التنقُّصُ قال: فهل تعرف العربُ ذلك في أشعارِها؟ قال: نعم. قال شاعرُنا وأنشد:
تَخَوَّف الرَّحْلُ منها تامِكًا قَرِدًا ** كما تَخَوَّفَ النَّبْعَةِ السَّفَنُ

فقال عمر: أيها الناسُ، عليكم بديوانِكم لا يَضِلُّ. قالوا: وما ديواننا؟ قال: شعرُ الجاهلية، فإنِّ فيه تفسيرَ كتابكم.
قلت: وكان الزمخشريُّ نَسَبَ البيتَ قبل ذلك لزهيرٍ، وكأنه سهوٌ، فإنَّه لأبي كبير الهذلي، ويؤيد ذلك قول الرجل: قال شاعرنا، وكان هُذَلِيًَّا كما حكاه هو، وقيل: التخوُّفُ: الخوفُ.
{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48)}.
قوله تعالى: {أَوَ لَمَْ} قرأ الأخَوان {تَرَوْا} بالخطاب جَرْيًا على قوله: {فَإِنَّ رَبَّكُمْ}، والباقون بالياء جَرْيًا على قوله: {أَفَأَمِنَ الذين مَكَرُواْ}، وأمَّا قولُه: {أَلَمْ يَرَوْاْ إلى الطير} [النحل: 79]. فقرأه حمزةُ أيضًا بالخطاب، ووافقه ابنُ عامر فيه، فحصل من مجموعِ الآيتين أنَّ حمزةَ بالخطاب فيهما، والكسائيَّ بالخطابِ في الأول والغَيْبة في الثاني، وابنَ عامر بالعكس، والباقون بالغيبة فيهما.
فأمَّا توجيهُ الأولى فقد تقدَّم، وأمَّا الخطابُ في الثانية فَجَرْيًا على قوله: {والله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} [النحل: 78]، وأمَّا الغيبةُ فَجَرْيًا على قوله: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} [النحل: 73]، وأمَّا تفرقَةُ الكسائيِّ وابنِ عامرٍ بين الموضعين فجمعًا بين الاعتبارين وأنَّ كلًا منهما صحيحٌ.
قوله: {مِن شَيْءٍ} هذا بيانٌ لِما في قوله: {مَا خَلَقَ الله} فإنها موصولةٌ بمعنى الذي. فإن قلتَ: كيف يُبَيِّنُ الموصولُ-وهو مبهمٌ- ب {شيء} وهو مبهمٌ، بل أَبْهَمُ ممَّا قبله؟ فالجواب أنَّ شيئًا قد اتضح وظهر بوصفِه بالجملة بعدَه، وهي {يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ}.
قال الزمخشري: وما موصولة ب {خَلَقَ الله} وهو مبهمٌ، بيانُه {مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ}، وقال ابن عطية: وقوله: {مِن شَيْءٍ} لفظٌ عامٌّ في كل ما اقتضَتْه الصفةُ مِنْ قوله: {يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ} فظاهر هاتين العبارتين أنَّ جملةَ {يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ} صفة لشيء، وأمَّا غيرُهما فإنه قد صَرَّح بعدمِ كونِ الجملةِ صفةً فإنه قال: والمعنى: من شيءٍ له ظِلٌ من جبلٍ وشجرٍ وبناء وجسمٍ قائمٍ، وقوله: {يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ} إخبارٌ عن قوله: {مِن شَيْءٍ} ليس بوصفٍ له، وهذا الإِخبارُ يَدُلُّ على ذلك الوصفِ المحذوفِ الذي تقديرُه: هو له ظلٌّ وفيه تكلُّفٌ لا حاجةَ له، والصفةُ أبينُ، و{مِن شَيْءٍ} في محلِّ نصبٍ على الحال من الموصولِ، أو متعلقٌ بمحذوفٍ على جهةِ البيان، أي: أَعْني مِنْ شيء.
والتفيُّؤُ: تَفَعَّل مِنْ فاء يَفِيْءُ، أي: رَجَع، وفاء قاصرٌ، فإذا أُريد تعديتُه عُدِّي بالهمزة كقوله تعالى: {مَّا أَفَاء الله على رَسُولِهِ} [الحشر: 7]. أو بالتضعيف نحو: فَيَّأ اللهُ الظلَّ فَتَفَيَّأ، وتَفَيَّأ مطاوِعٌ فهو لازمٌ، ووقع في شعر أبي تمام متعديًا في قوله:
طَلَبَتْ ربيعَ ربيعةَ المُمْرَى لها ** وتفيَّأَتْ ظلالَه مَمْدودا

واخْتُلِفَ في الفَيْءِ فقيل: هو مُطْلَقُ الظِّلِّ سواء كان قبل الزَّوالِ أو بعده، وهو الموافِقُ لمعنى الآيةِ ههنا، وقيل: ما كان قبل الزوال فهو ظلٌّ فقط، وما كان بعده فهو ظِلٌّ وفَيْءٌ، فالظلُّ أعمُّ، يُرْوَى ذلك عن رؤبَة ابن العجاج، وقيل: بل يختصُّ الظِّلُّ بما قبل الزوالِ والفَيْءُ بما بعده. قال الأزهري: تَفَيَّؤُ الظلالِ رجوعُها بعد انتصافِ النهارِ، فالتفيُّؤُ لا يكون إلا بالعَشِيّ، وما انصرفَتْ عنه الشمسُ، والظلُّ ما يكون بالغداة، وهو ما لم تَنَلْهُ الشمس، قال الشاعر:
فلا الظِلُّ مِنْ بَرْدِ الضُّحى تَسْتطيعُه ** ولا الفيْءُ من بَرْدِ العَشِيِّ تَذُوْقُ

وقال امرؤ القيس أيضًا:
تَيَمَّمَتِ العينَ التي عند ضارِجٍ ** يَفِيْءُ عليها الظِّلُّ عَرْمَضُها طامِ

وقد خطَّأ ابن قتيبة الناسَ في إطلاقهم الفَيْءَ على ما قبلَ الزَّوال، وقال: إنما يُطْلَقُ على ما بعده، واستدلَّ بالاشتقاق، فإن الفيْءَ هو الرجوعُ وهو متحققٌ ما بعد الزوال، فإنَّ الظلَّ يَرْجِعُ إلى جهةِ المشرق بعد الزوال بعدما نَسَخَتْه الشمسُ قبل الزَّوال.
وقرأ أبو عمرو {تَتَفَيَّأ} بالتاء مِنْ فوقُ مراعاةٍ لتأنيث الجمع، وبها قرأ يعقوب، والباقون بالياء لأنه تأنيثٌ مجازي.
وقرأ العامَّة {ظلالُه} جمع ظِلّ، وعيسى بن عمر {ظُلَلُهُ} جمع ظُلَّة كغُرْفَة وغُرَف. قال صاحب اللوامح في قراءة عيسى {ظُلَلُهُ} والظُلَّة: الغَيْمُ، وهو جسمٌ، وبالكسرِ الفَيْءُ وهو عَرَضٌ، فرأى عيسى أنَّ التفيُّؤُ الذي هو الرجوعُ بالأجسام أَوْلَى منه بالأَعْرَاضِ، وأمَّا في العامَّة فعلى الاستعارة.
قوله: {عن اليمين} فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنها تتعلَّقُ ب {يتفيَّأ}، ومعناها المجاوزةُ، أي: تتجاوز الظلالُ عن اليمينِ إلى الشِّمائل. الثاني: أنها متعلقةٌ بمحذوفٍ على أنها حالٌ من {ظلالُه}. الثالث: أنها اسمٌ بمعنى جانب، فعلى هذا تَنْتَصِبُ على الظرف.
وقوله: {عَنِ اليمين والشمآئل} فيه سؤالان، أحدهما: ما المراد باليمين والشَّمائل؟ والثاني: كيف أفرد الأولَ وجوع الثاني؟ وأُجيب عن الأول بأجوبةٍ، أحدُها: أنَّ اليمينَ يمينُ الفَلَك وهو المشرقُ، والشَّمائلُ شمالُه وهي المغرب، وخُصَّ هذان الجانبان لأنَّ أقوى الإِنسانِ جانباه وهما يمينُه وشماله، وجعل المشرقَ يمينًا؛ لأن منه تظهر حركةُ الفَلَكِ اليومية.
الثاني: البلدةُ التي عَرْضُها أقلُّ مِنْ مَيْل الشمس تكون الشمس صيفًا عن يمينِ البلدِ فيقع الظلُّ عن يمينهم.
الثالث: أنَّ المنصوبَ للعِبْرة: كلُّ جِرْمٍ له ظِلٌّ كالجبل والشجر، والذي يترتَّبُ فيه الأيْمان والشَّمائل إنما هو البشرُ فقط، لكنَّ ذِكْرَ الأَيْمانِ والشَّمائلِ هنا على سبيل الاستعارة.
الرابع: قال الزمخشري: أو لم يَرَوْا إلى ما خَلَقَ اللهُ من الأَجْرامِ التي لها ظلالٌ متفيِّئَةٌ عن أَيْمانِها وشَمائِلها عن جانبي كل واحدٍ منها وشِقَّيْه استعارةً من يمين الإِنسان وشمائله لجانبي الشيءِ، أي: تَرْجِعُ من جانبٍ إلى جانب، وهذا قريبٌ ممَّا قبله.
وأُجِيْب عن الثاني بأجوبةٍ، أحدُها: أن الابتداء يقع من اليمين وهو شيءٌ واحدٌ، فلذلك وَحَّد اليمينَ ثم يَنْتَقِصُ شيئًا فشيئًا، حالًا بعد حال فهو بمعنى الجمعِ، فَصَدَق على كلِّ حالٍ لفظةُ الشمال، فَتَعَدَّدَ بتعدُّدِ الحالات، وإلى قريبٍ منه نحا أبو البقاء.